اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

آمال مصرية واسعة بعد انضمامها رسميًًّا في أول يناير.. ماذا ستستفيد مصر من ”بريكس”؟

مع بداية العام الجديد 2024، انضمت مصر رسميًًّا إلى مجموعة "بريكس"، في خطوة يعلق الإقتصاديون عليها آمالًا كبيرة في دفع عجلة الإنتاج وتقليل الطلب على الدولار والمساهمة في توفير الاحتياجات التصنيعية ومدخلات الإنتاج من الدول الأعضاء في المجموعة وبتسهيلات تساهم في خفض الضغط على العملة الأمريكية المتسيدة على العالم.

ويرى المتخصصون أن الانضمام لمجموعة "بريكس" من شأنه تسهيل التبادل التجارى بالعملات المحلية بين الدول الأعضاء ورفع جودة الصناعة المصرية، وأنه خطوة لزيادة الصادرات إلى تلك الدول.

وتأمل مصر أن يؤدي انضمامها لـ"بريكس" إلى جذب استثمارات جديدة مع ارتفاع عدد دول المجموعة إلى 10 دول، حيث سيصبح عدد سكان هذه الدول أكثر من ثلاثة مليارات و625 مليون نسمة، أي ما يقارب نصف سكان العالم، في حين كانت هذه النسبة عند نحو 40 بالمئة قبل انضمام هذه الدول. كما أن دول المجموعة الحالية تسيطر بعد توسعها على 25 بالمئة من مساحة اليابسة.

آمال مصرية واسعة
وترى مصر أن دخولها في الـ"بريكس" سيسهم في تسهيل التوصل لتوافقات حول التبادل التجاري بالعملة المحلية مع بعض الدول داخل التحالف، خاصة روسيا والصين، بعد أن بدأت الخطوات والإجراءات الفعلية للانضمام في أغسطس 2023 لتصبح مصر عضوا في التحالف الأقوى اقتصاديًّا بعد مجموعة العشرين.
وذكر مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري، في بيان سابق، أن انضمام مصر للـ"بريكس"، يُعد تأكيدًا على متانة العلاقات الاقتصادية والسياسية الجيدة بين مصر ودول التكتل، وعلى مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن التقارب مع مجموعة الـ"بريكس"، يساعد في «الترويج للإصلاحات التي شهدتها البيئة المصرية الاقتصادية والاستثمارية في السنوات الأخيرة، بالصورة التي ترفع من فرص مصر لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.

رفع الميزة التنافسية للمنتجات المصرية
ويرى أحد المحللين الاقتصاديين، أن انضمام مصر لمجموعة الـ"بريكس" سيساهم بشكل كبير في رفع الميزة التنافسية للمنتجات المحلية سواء من حيث الجودة أو السعر، وأوضح أنه بانضمام مصر لهذه المجموعة سيتم زيادة التصدير والاستيراد والتبادل بين دول المجموعة وتقليص عجز الميزان التجاري للدول الأعضاء بما يساهم في تخفيف الضغط على طلب الدولار.

وأشار إلى أن انضمام مصر يسهم في إنعاش الصناعة المحلية ورفع جودتها وزيادة الطلب عليها في أسواق المجموعة، وشدد في الوقت نفسه على ضرورة دراسة دقيقة لاحتياجات أسواق تلك الدول لتلبية متطلباتها ما يوسع فرص الاستثمار الصناعي في مصر.
وأكد أهمية أن تحافظ مصر على الميزان التجاري مع الدول الأعضاء بقيم معتدلة، مؤكدًا أن الصناعة المصرية لديها كل المقومات التي تؤهلها للانضمام خاصة في ظل القوانين والإجراءات التحفيزية التي اصدرتها الحكومة مؤخرًا.

ووفق بيانات حديثة لجهاز التعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت قيمة الصادرات المصرية لدول مجموعة بريكس، بنسبة 5,3% خلال العام 2022، لتسجل 4,9 مليار دولار، مقابل 4,6 مليار دولار خلال 2021.

وبحسب البيانات، زادت أيضًا قيمة الواردات المصرية من دول «بريكس» خلال العام الماضي بنسبة 11,5%، لتسجل 26,4 مليار دولار، مقابل 23,6 مليار دولار في العام السابق، كما ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول المجموعة إلى 31,2 مليار دولار مقابل 28,3 مليار دولار، بنسبة زيادة 10.5%.
وجاءت الهند على رأس قائمة أعلى دول مجموعة الـ"بريكس" استيرادًا من مصر خلال 2022؛ بقيمة 1,9 مليار دولار، ثم الصين في المرتبة الثانية 1,8 مليار دولار، ثم روسيا 595,1 مليون دولار، ثم البرازيل 402,1 مليون دولار، وأخيرًا جنوب إفريقيا 118,1 مليون دولار.

خمس دول جديدة أول يناير
وكانت مجموعة "البريكس"، وجهت الدعوة في أغسطس الماضي، إلى 6 دول للانضمام لعضويتها بدءًا من يناير 2024، وهي مصر والسعودية والإمارات وإيران والأرجنتين وإثيوبيا.

وكانت الأرجنتين وحدها هي التي رفضت الدعوة بعد أن تراجع الرئيس الجديد، خافيير مايلي، الذي تولى منصبه الشهر الماضي، عن طلب العضوية الذي تقدم به سلفه، معللًا ذلك بأن السياسة الخارجية لحكومته الجديدة تختلف في نواحٍ كثيرة عن سياسة الحكومة السابقة.

وتتيح توسعة المجموعة على ذلك النحو بعد انضمام الدول الخمس ليصبحوا أعضاءً في بريكس، قوة دفع هائلة للمجموعة التي تسعى لإحداث التوازن على الصعيد الاقتصادي، وتنافس مجموعة السبع، ولا سيما بالنظر إلى ما تزخر به الدول الجديدة من مقومات.

وأرسل المدعوون الخمسة ممثلين رفيعي المستوى إلى اجتماع لمجموعة البريكس في ديربان، جنوب إفريقيا، وشاركوا بشكل كامل في الاجتماع، كما أنه من المقرر أن يرسلوا مسؤولين لحضور اجتماع في موسكو يوم 30 من يناير، وهو ما يُعد إشارة واضحة على أنهم قبلوا الدعوة للانضمام.

البداية بالبرازيل وروسيا والهند والصين
تمت صياغة مصطلح "بريك" في العام 2001 من قبل الاقتصادي جيم أونيل، الذي كان يعمل آنذاك في مجموعة جولدمان ساكس، للفت الانتباه إلى معدلات النمو الاقتصادي القوية في البرازيل وروسيا والهند والصين، وكان المقصود من هذا المصطلح أن يكون سيناريو متفائلًا للمستثمرين وسط تشاؤم السوق في أعقاب الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة في 11 من سبتمبر من ذلك العام.

وفي العام 2006، اتفقت البرازيل وروسيا والهند والصين على تشكيل مجموعة اقتصادية وسياسية تُعرف بـ"بريك"، باستخدام الحرف الأول من اسم كل دولة.
وعقدت المجموعة أول قمة لقادتها في العام 2009 ودعت جنوب إفريقيا للانضمام بعد عام، وأضافت قارة أخرى وحرف "S"، ليتغير اسمها إلى "بريكس".
ووفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة "بريكس" يمثل 28,3 بالمئة من الاقتصاد العالمي في العام 2023، وذلك بعد موافقة التكتل على توسيع عضويته.

وكانت نسبة مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي 25,6 بالمئة، لترتفع إلى 28,8 بالمئة بعد انضمام الأعضاء الجدد.
كما أن دول المجموعة تسيطر على 20 بالمئة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.

مواجهة هيمنة الدولار الأمريكي
تسعى المجموعة إلى أن يؤدي التوسع بأعضائها إلى التفوق عمليًّا من خلال توسعة نشاطاتها الاقتصادية الرامية لمواجهة هيمنة الدولار الأمريكي، ليضيف التوسع بدوره إلى قوة المجموعة الهادفة إلى أن تكون محركًا لنظام عالمي جديد، وأن تقود مجموعة تغيرات ديناميكية على الخارطة الاقتصادية الدولية.
ومن المنتظر أن يلعب التكتل بعد مضاعفة أعضائه دورًا في تحقيق التوازن الاقتصادي حول العالم، والهيمنة الاقتصادية لبعض الدول الكبرى، كما أن الدول المنضمة تضع عليه آمالًا كبيرة ليمثل لهم فرصًا اقتصادية واعدة، إلا أن العديد من الاقتصاديين يرون أن مضاعفة دول التكتل محاولة جيدة من جانب دول المجموعة من أجل تحقيق التوازن الاقتصادي، لكنها خطوة لن تنجح في يوم وليلة، بل تحتاج إلى سنوات قد تصل إلى عقود للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب في وجه الولايات المتحدة الأمريكية.

ويشيرون إلى أن فكرة خلق اقتصاد عالمي متعدد الأقطاب، والتوازن في العلاقات الاقتصادية إضافة إلى تقليص من هيمنة الدولار الأمريكي؛ كلها خطوات مهمة لكن الوصول إليها لن يحدث بسهولة، لأن الوصول إلى التوازن العالمي يتوقف على قوة الأطراف الموجودة في الـ"بريكس"، حيث إن تلك القوة ستظهر من خلال قدرة التكتل على زيادة الدول الأعضاء في المراحل المقبلة، واتخاذ قرارات من شأنها تغيير بعض المفاهيم والمعادلات والعلاقات في الاقتصاد الدولي.

ولن يتم ذلك من خلال قرارات كلها مرهونة بالمستقبل، خاصة أن الوزن النسبي للصين وروسيا إضافة إلى بعض دول الخليج كالسعودية والإمارات ودول أمريكا اللاتينية مثل البرازيل كلها تؤكد قوة التكتل، كما أن هناك تغيرات كثيرة وصراعات يشهدها العالم.

وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن من أهم القرارات التي من المنتظر أن يتخذها التكتل وتمثل خطوة أولى في نجاحه مستقبلًا، اتخاذ اتجاه مرتبط بتقليل الاعتماد على الدولار ليصبح الاعتماد على العملات المحلية، والاتجاه إلى أن تصبح هناك عملة خاصة بدول الـ"بريكس"، مع عدم الاعتماد على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من خلال تفعيل وتقوية مؤسسات أخرى بديلة مثل البنك الآسيوي للتنمية على سبيل المثال.

تحدٍّ كبير يتمثل في الولايات المتحدة
ويواجه تكتل الـ"بريكس" تحديًا كبيرًا يتمثل في أن الولايات المتحدة الأمريكية ويعقبها الاتحاد الأوروبي لن يسمحا لأي تكتل أو دولة أخرى أن تؤثر في هيمنتهما على الاقتصاد العالمي، خاصة أن أمريكا دولة مهيمنة على الاقتصاد العالمي والمؤسسات الدولية سواء كانت اقتصادية أو غير اقتصادية.
ويتوقف نجاح الـ"بريكس" في تحقيق التوازن الاقتصادي حول العالم وهز عرش الدولار يتوقف على نجاحه في إرساء فكرة التبادل التجاري بالعملات المحلية، على غرار خطوات سابقة على سبيل المثال لكل من الإمارات والهند، وكذلك الإمارات والصين في كيفية التعامل بعملات متبادلة، كما أن مصر أعلنت عن معاملات بالعملات المحلية مع دول أخرى.

وسيؤدي نجاح التجربة إذا تمت من خلال جهود البنوك المركزية ودول التكتل؛ إلى إتاحة الفرصة لكثير من الدول الأخرى التي من الممكن أن تستخدم فكرة تبادل التجارة بالعملات المحلية، لأن التكتل يفتح الباب أمام العالم سواء بالانضمام أو التعامل بالمبدأ نفسه (التعامل بالعملات المحلية) لتزيد من حركة التجارة وتبتعد جزئيًّا من الضغوط السياسية والهيمنة الأمريكية.

كما أنه يمكنه أن يخلق مزيدًا من القوة في العلاقات الاقتصادية بين الأطراف المشاركة، التي من خلالها يمكن أن يخلق لنفسه دورًا ويدًا عليا في القرارات الدولية في فرض عدم المنازعات والسيطرة على التجارة الدولية.

دول ترغب في الانضمام
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إن نحو 30 دولة ترغب في إقامة علاقات مع الكتلة.
كما أبدى وزير الخارجية النيجيري يوسف توجار رغبة بلاده، أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، في أن تصبح عضوًا في مجموعة الـ"بريكس" خلال العامين المقبلين.

وباستثناء الهند، كان أداء مجموعة الـ"بريكس" أقل من أداء نظيراتها في الأسواق الناشئة على مدى السنوات الخمس الماضية، وفقًا لبلومبرج إنتليجنس، فقد وضعت العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة روسيا خارج نطاق عديد من المستثمرين الأجانب، كما تم فرض عقوبات على بعض القطاعات في الصين -وخاصة شركات التكنولوجيا- أو تواجه حظرًا محتملًا على الاستثمار.

ويبدو أنه ليس بين ليلة وضحاها يستطيع التكتل أن يكون له تأثير أوسع في الاقتصاد العالمي؛ لأن أي تأثيرات تكون عبارة عن مراحل تبدأ بخطوات تنفيذية لإفساح موضع قدم لتكتل جديد يقوي يومًا تلو الآخر.

فجميع أسوق العالم يستحوذ عليها الدولار وليس بين عام أو اثنين يسمح بدخول قوة تستطيع أن تزيح هيمنته من على العرش، كما أن المؤشرات يكون لها مردود عند الحكومات والمجتمعات والشركات، فإذا تم تقدير الوضع الدقيق لتكتل البريكس في التنفيذ سيحقق نجاحًا وبالتالي سيكون المسار الأساسي لكثير من دول العالم.

دور كبير لدول النفط
يمثل انضمام دول نفطية على رأسها السعودية والإمارات، في ظل وجود روسيا، يمثل فرصة كبيرة لزيادة احتياطي المجموعة من النفط.

كما أن التكتل بانضمام دول جديدة منها إثيوبيا وإيران ومصر، سيرتفع عدد سكانه، ليمثل نسبة كبيرة من سكان العالم، وبالتالي يصبح أكثر تأثيرًا.

وأيضًا، فإن تنسيق التكتل الرؤى حول الموضوعات الأساسية سواء كانت اقتصادية أو غير اقتصادية سيكون أمرًا مؤثرًا في المحافل الدولية، خاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة؛ ليكون أكثر تنظيمًا، فإذا تمت مقارنته اقتصاديًّا سيكون أكبر منافس لمجموعة السبع.

وبشأن التأثيرات طويلة المدى لتوسع التكتل على الهيمنة الأمريكية؛ فإنه من الممكن أن يتم من خلال استخدام عملة مشتركة تدريجيًّا لتقليل الاعتماد على الدولار، ليكون التحول نحو الاعتماد على عملات الدول التي يحدث بينها تبادل تجاري فيما بينها، أو مستقبلًا إيجاد عملة بديلة للدولار قد تكون عملة رقمية.

أهم الأخبار

    xml/K/rss0.xml x0n not found