اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

رغم العقوبات الغربية.. اقتصاد روسيا المحصن يثير الجدل

الغاز الروسي
الغاز الروسي

رغم هجمة العقوبات الغربية، أثبت اقتصاد روسيا المحصن قدرته على الصمود بشكل ملحوظ ، فبعد عامين من غزو روسيا لأوكرانيا، يواصل الكرملين تمويل حرب مكلفة ودعم الرئيس فلاديمير بوتين. ولكن هناك مكان واحد على الأقل يظهر فيه التأثير القاسي لهذه العقوبات.

رغم العقوبات الغربية.. اقتصاد روسيا المحصن يثير الجدل

وتعد منشأة "أركتيك إل إن جي 2" (Arctic LNG 2) الواقعة على بحر كارا الجليدي والتي تشغلها شركة "نوفاتيك" (Novatek)، جزءاً أساسياً من خطط موسكو لتعزيز الصادرات وتجديد خزائنها. ومنذ أشهر، كانت الشركة مستعدة لشحن الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق جديدة، كبديل لتجارة الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا التي كانت مربحة يوماً ما.

العقوبات الأمريكية

مع ذلك، فإن العملية الضخمة الجديدة التي تبلغ كلفتها 25 مليار دولار لا تزال تراوح مكانها تقريباً، وهي أول وحدة من مجمع إنتاج الغاز في روسيا تنال منها القيود الأمريكية بشكل فعال.

زيادة إنتاج الغاز الطبيعي الروسي

وتسعى روسيا منذ فترة طويلة إلى زيادة حصتها في السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال، لكن الحرب وما تلاها من انخفاض حاد في صادرات الغاز البرية إلى أوروبا، عززت أهمية هذه الطموحات، وتريد موسكو زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال ثلاثة أمثال بحلول 2030، مما يزيد الإيرادات السنوية بما لا يقل عن 35 مليار دولار.

رابع أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم

وتعتبر روسيا حالياً هي رابع أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم بفضل العمليات القديمة، لكن القيود المفروضة على منشأة "أركتيك إل إن جي 2" الرائدة في القطب الشمالي تعيق تطلعات موسكو للمضي قدماً، والأكثر إثارة لقلق روسيا هو أنها قدمت نموذجاً لأي جهود غربية مستقبلية لكبح جماح دخل الكرملين من الغاز، من خلال استهداف عمليات مثل "يامال" أو "سخالين 2" في الشرق الأقصى، والتي لا تزال تزود العملاء في أوروبا وآسيا.

وبدوره، قال مالتي همبرت، مؤسس معهد القطب الشمالي، الذي يراقب التوسع الروسي في المنطقة منذ أكثر من عقد إن "العقوبات الأميركية تحقق نجاحاً مدهشاً، هنا (في القطب الشمالي)، هم حقاً في الطليعة، لقد منعوا مشروع أركتيك إل إن جي 2 حتى قبل أن يبدأ الإنتاج، وأوقفوا السفن قبل أن يتسنى تسليمها، غير أن جميع التدابير الأخرى، مثل (سقف سعر) النفط أو (مطاردة) أسطول الظل، هي دائماً رد فعل".

عقوبات الاتحاد الأوروبي

ومنذ أن فرضت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عقوبات على منشأة "أركتيك إل إن جي 2" العام الماضي، رفض المشترون في الصين والهند– الدولتين اللتين تشتريان النفط الروسي وتتاجران فيه، وتلتفان على القيود الحالية–شراء الغاز الطبيعي المسال حتى بسعر مخفض، وفي الوقت نفسه، تراجع المحامون في سنغافورة ولندن عن المشاركة في المشروع، بل إن شركات بناء السفن طالتها هذه القيود، إذ توجد سفن تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات عالقة حالياً في الأحواض الجافة في كوريا الجنوبية. ولا يمكن لأحد أن يشتريها أو يستأجرها، وفي الوقت نفسه، لا يزال الغاز محتجزاً في المنشأة.

وعلى عكس صادرات النفط، التي استمرت في التدفق رغم تحديد سقف للأسعار والقيود الأخرى بمساعدة "أسطول الظل" الضخم، فإن مواصلة نقل الغاز الطبيعي المسال أكثر صعوبة، ويرجع ذلك إلى حد بعيد إلى التكنولوجيا الأكثر تعقيداً المطلوبة لتحميل الوقود الفائق التبريد وشحنه، والآن يستعد الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال يعتمد على الغاز الطبيعي المسال الروسي، لطرح بعض التدابير الخاصة به بعد أن كان متردداً في تقييد الواردات. ولا تحظر أوروبا الغاز بشكل صريح، لكن مناقشات الكتلة تشير إلى أن الغاز لم يعد بمنأى عن طاولة العقوبات مع دخول الحرب عامها الثالث.

ومن بين القضايا المطروحة للنقاش خطة لحظر استخدام موانئ الاتحاد الأوروبي لإعادة تصدير الإمدادات الروسية المتجهة إلى دول ثالثة، وهذا مهم لأن مصانع الغاز الطبيعي المسال الروسية في منطقة القطب الشمالي بعيدة للغاية، لذلك عادة ما يتم تسليم الوقود أولاً إلى بلجيكا أو فرنسا لإعادة تصديره إلى آسيا أو أي ميناء أوروبي آخر. وسيوصل تقييد هذه الممارسة أسطول الشحن الروسي إلى نقطة الانهيار.

تأثيرات محدودة على سوق الغاز

وفي سياق متصل، بدأ مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض في تحويل اهتمامه إلى تعطيل خطط توسع روسيا في الغاز الطبيعي المسال في 2023، أي بعد مرور عام تقريباً على الحرب، وفق أشخاص مطلعين على الاستراتيجية. وقد تعاون مسؤولو المجلس مع وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين لاختيار هدف، وفي نهاية المطاف ركزوا على مشروع "أركتيك إل إن جي 2". ثم قدموه إلى وزارة الخزانة.

والآن، وفي إطار خطة أوسع لمنع روسيا من تطوير أي مشروعات طاقة جديدة قد تدر عليها إيرادات كبيرة، تريد الولايات المتحدة التأكد من أن مشروع القطب الشمالي "فشل"، كما قال جيفري بيات، مساعد وزير الخارجية لشؤون موارد الطاقة، في مؤتمر الشهر الماضي.

وثمة أسباب وجيهة تدفع مسؤولي البيت الأبيض إلى استهداف المنشأة، التي تشارك في ملكيتها الحكومة اليابانية وشركات نفط صينية مملوكة للدولة وشركة "توتال إنرجيز" الفرنسية.

وفي حين أن ذلك يثير بالتأكيد غضب حلفاء مهمين، فإن تجميد مشروع "أركتيك إل إن جي 2" له فائدة في الإضرار بموسكو، بينما لا يسبب سوى تأثيرات محدودة في أسواق الغاز الطبيعي العالمية. وليس أقل أهمية بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع اقتراب الانتخابات، احتواء تداعيات ذلك على المستهلكين الأمريكيين.

وهناك مزايا أخرى لواشنطن، فتجارة الغاز الطبيعي المسال تتطلب سفناً متخصصة باهظة الثمن يمكن تتبعها باستخدام بيانات الأقمار الاصطناعية، مما يجعل إنشاء أسطول بديل شبه مستحيل. وفي حين أن هناك ما يقرب من 7500 ناقلة نفط بأحجام مختلفة حالياً، فإن صناعة الغاز الطبيعي المسال بأكملها لديها قرابة 700 ناقلة.

أهم الأخبار

    xml/K/rss0.xml x0n not found